شقباوي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

شقباوي

منتديات متنوعة ومفيدة ومميزة
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 المدينة بشكل عام

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أكرم
أبو المكارم
أبو المكارم



المساهمات : 461
تاريخ التسجيل : 20/10/2007
العمر : 45

المدينة بشكل عام Empty
مُساهمةموضوع: المدينة بشكل عام   المدينة بشكل عام I_icon_minitimeالجمعة 7 نوفمبر 2008 - 9:47

المدينة:



"قالت الحكماء: أحسن مواضع المدن أن تجمع خمسة أشياء، وهي: النهر الجاري، والمحرث الطيب، والمحطب القريب، والسور الحصين، والسلطان، إذْ به صلاحُ حالها وأمن سبلها وكف جبابرتها".

و"اعلم أن المدن قرار تتخذه الأمم عند حصول الغاية المطلوبة من الترف ودواعيه، فتؤثر الدعة والسكون، وتتوجه إلى اتخاذ المنازل للقرار. ولما كان ذلك للقرار والمأوى، وجب أن يراعى فيه دفع المضار بالحماية من طوارقها، وجلب المنافع وتسهيل المرافق لها: فأما الحماية من المضار فيراعى لها أن يدار على منازلها جميعًا سياج الأسوار، وأن يكون وضع ذلك في ممتنع من الأمكنة، إما على هضبة متوعرة من الجبل، وإما باستدارة بحر أو نهر بها، حتى لا يوصل إليها إلا بعد العبور على جسر أو قنطرة فيصعب منالها على العدو ويتضاعف امتناعها وحصنها. ومما يراعي في ذلك للحماية من الآفات السماوية طيب الهواء للسلامة من الأمراض، فإن الهواء إذا كان راكدًا خبيثًا، أو مجاورًا للمياه الفاسدة أو لمناقع متعفنة أو لمروج خبيثة، أسرع إليها العفن من مجاورتها؛ فأسرع المرض للحيوان الكائن فيه لا محالة، وهذا مشاهَد"…

"وأما جلب المنافع والمرافق للبلد فيراعى فيه أمور: منها الماء، بأن يكون البلد على نهر، أو بإزائها عيون عذبة ثرَّة. فإن وجود الماء قريبًا من البلد يسهل على الساكن حاجة الماء وهي ضرورية، فيكون لهم في وجوده مرفقة عظيمة عامة. ومما يراعى من المرافق في المدن طيب المراعي لسائمتهم إذ صاحبُ كلِّ قرارٍ لا بد له من دواجن الحيوان للنتاج والضرع والركوب، ولا بد لها من المرعى، فإذا كان قريبًا طيبًا، كان ذلك أرفق بحالهم، لما يعانون من المشقة في بعده، ومما يراعى أيضًا المزارع؛ فإن الزروع هي الأقوات. فإذا كانت مزارع البلد بالقرب منها، كان ذلك أسهل في اتخاذه وأقرب في تحصيله. ومن ذلك الشجر للحطب والبناء، فإن الحطب مما تعم البلوى في اتخاذه لوقود النيران للاصطلاء والطبخ. والخشب أيضًا ضرروي لسقفهم وكثير مما يستعمل فيه الخشب من ضرورياتهم وقد يراعى أيضًا قربها من البحر لتسهيل الحاجات القاضية من البلاد النائية".

"ومما يراعى في البلاد الساحلية التي على البحر، أن تكون في جبل، أو تكون بين أمة من الأمم موفورة العدد، تكون صريخًا للمدينة متى طرقها طارق من العدو.

والسبب في ذلك أن المدينة إذا كانت حاضرة البحر، ولم يكن بساحتها عمران للقبائل أهل العصبيات، ولا موضعها متوعر من الجبل، كانت في غِرَّة للبيات (أي يمكن مهاجمتها ليلاً بصورة مفاجئة) وسهل طروقها في الأساطيل البحرية على عدوها وتحيُّفه لها، لما يأمن من وجود الصريخ لها، وأن الحضر المتعودين للدعة قد صاروا عيالاً وخرجوا عن حكم المقاتلة، وهذه كالإسكندرية من المشرق، وطرابلس من المغرب، وبونة وسلا، ومتى كانت القبائل والعصائب موطَّنين بقربها، بحيث يبلغهم الصريخ والنعير، وكانت متوعرة المسالك على من يرومها باختطاطها في هضاب الجبال وعلى أسنمتها؛ كان لها بذلك منعة من العدو ويئسوا من طروقها، لما يكابدونه من وعرها، وما يتوقعونه من إجابة صريخها".

[ابن خلدون: عبر، ج2، ص 617-621]

"حكي عن الحكماء أنها قالت: لا تستوطن إلا بلدًا فيه سلطان حاضر، وطبيب ماهر، ونهر جار، وقاضٍ عدل، وعالم عامل، وأسواق قائمة، وقالت الحكماء أيضًا: أحسن المدن هي التي تجمع خمسة أشياء: نهر جار، ومحرث طيب، وحطب قريب، وسور حصين، وسلطان قاهر، إذ به صلاح أهلها وتأمين سبلها".

"أما الأمصار فهي الأوطان الجامعة، والمقصود بها خمسة أمور:

أحدها: أن يستوطنها أهلها طلبًا للسكون والدعة. والثاني: حفظ الأموال فيها من استهلاك وإضاعة. والثالث: صيانة الحريم والحرم من انتهاك ومذلة. والرابع: التماس ما تدعو إليه الحاجة من متاع وصناعة. والخامس: التعرض للكسب وطلب المادة. فإن عدم فيها أحد هذه الأمور الخمسة فليست من مواطن الاستقرار وهي منزل قيعة ودمار. قال الزبير بن العوام رضي الله عنه: سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: إن البلاد بلاد الله، فحيث ما وجدت خيرًا فاحمد الله وأقم.

وحظ السلطان في عمارة البلدان والأوطان أوفى من حظ رعيته، لأنه أصل هم فروعه، ومتبوع هم أتباعه.

والذي يعتبر في إنشائها ستة شروط، أحدها: سعة المياه المستعذبة. والثاني: إمكان الميرة المستمدة، والثالث: اعتدال المكان الموافق لصحة الهواء والتربة. والرابع: قربه مما تدعو الحاجة إليه من المراعي والأحطاب، والخامس: تحصين منازله من الأعداء والزعار. والسادس: أن يحيط به سواد يعين أهله بمواده.

فإذا تكاملت هذه الشروط الستة في إنشاء مصر استحكمت قواعد تأييده، ولم يزل إلا بقضاء محتوم، وأجل معلوم.

ثم على منشئ المصر في حقوق ساكنيه ثمانية شروط؛ أحدها: أن يسوق إليه ماء السارية إن بعدت أطرافه، إما في أنهار جارية، أو حياض سائلة، ليسهل الوقوف إليه من غير تعسف، والثاني: تقدير طرقه وشوارعه حتى تتناسب ولا تضيق بأهلها، فيسضر المار بها. والثالث: أن يبني جامعًا للصلوات في وسطه ليقرب على جميع أهله ويعم شوارعه بمساجده. والرابع: أن يقدر أسواقه بحسب كفايته، وفي مواضع حاجته. والخامس: أن يميز اخطط أهله، وقبائل ساكنيه، ولا يجمع بين أضداد متنافرين ، ولا بين أجناس مختلفين. والسادس: إن أراد الملك أن يستوطنه سكن منه في أفسح أطرافه، وأطاف به جميع خواصه، ومَن يكفيه من أمر أجناده، وفرق باقيهم في بقية أطرافه؛ ليكفوه من جميع جهاته. وخص أهله بالعدل. وجعل وسطه لعوام أهله ليكونوا مكنوفين بهم، وليقل ركوبه فيهم حتى لا يلين في أعينهم. والسابع: أن يحوطهم بسور إن تاخموا عدوًا، أو خافوا اغتيالاً حتى لا يدخل عليهم إلا من أرادوه، ولا يخرج عنهم إلا من عرفوه، لأنه دار لساكنيه، وحرز لمستوطنيه. والثامن: أن ينقل إليه من أعمال أهل العلوم والصنائع ما يحتاج أهله إليه حتى يكتفوا بهم، ويستغنوا عن غيرهم.

فإذا قام منشئه بهذه الشروط الثمانية فيه، فقد أدى حق مستوطنيه ولم يبق لهم عليه إلا أن يسير فيهم بالسيرة الحسنى، ويأخذهم بالطريقة المثلى؛ وقد صار من أكمل الأمصار وطنًا، وأعدلها مسكنًا.

والأمصار نوعان: مصر مزارع وسواد. ومصر فرصة وتجارة، فأما مصر المزارع والسواد فهو أثبت المصرين أهلاً، وأحسنهما حالاً، وأولاهما استيطانًا لوجود مواده فيه، واقتناء أصولهما منه. ومن شروطه، أن يكون في وسط سواده، وبين جميع أطرافه؛ حتى تعتدل مواده منها، وتتساوى طرقه إليها؛ وهو موفور العمارة ما كان سواده عامرًا. فإن نال أهله فيه حيف، فرقهم الحيف في سواده؛ فأصابوا عيشا، ودافعوا من زمان الحيف وقتًا. وإن جار السواد على أهله كان لهم في المصر أمن وملاذ، ويكون كل واحد منها للآخر معاذًا.

وأما مصر الفرصة والتجارة فهو مِن كمال الإقليم، وزينة الملك؛ لأنه مقصود بتحف البلاد، وطرف الأقاليم؛ فلا يعوز فيه مطلوب، ولا ينقطع عنه مجلوب.

والمعتبر فيه ثلاثة شروط؛ أحدها: أن يتوسط أمصار الريف، ويقرب من بلاد المتاجر، فلا يبعد على طالبه، ولا يسبق على قاصده. والثاني: أن يكون على جادة تسهل مسالكها، ويمكن نقل الأثقال فيها؛ إما في نهر، أو على ظهر. فإن توعرت مسالكه وأجدبت مفاوزه عدل الناس عنه إلا من ضرورة. والثالث: أن يكون مأمون السبل لأهل الطرقات، خفيف الكلف قليل الأثقال؛ فإنه ليس يأتيه إلا جالب مجتاز يطلب من البلاد أجدادها؛ فإن توعر هجر. وهذا أكثر البلدين طالبًا، وأنشرهما في الأقاليم ذكرًا. وهو معد لمطالب الملوك، لا لموادهم، فإن استمدوه وتحيفوه بالمكوس والأعشار نفروا عنه. وإن وجدوا سواه صار لأهل الضرورات دون الاختيار، ولا دوام لأوطان الأضرار، ولا يبعد أن يندرس، فيلحق المضطر بالمختار، وإن لم يستدركه سلطانه بتخفيف وإنصاف، لأن أمواله تجارة متنقلة، لا يشق عليهم تحويلها؛ فهم يستوطنون من البلاد أعدلها، ويقصدون من المتاجر والمعاملات أسهلها، فإن نبا بهم وطن؛ فكل البلاد لهم وطن، قال الشاعر:

واترك محل السوء لا تحلل به وإذا نبا بك منزل فتحول."

(الماوردي ، تسهيل ، ص 209-213).

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shgeeb.ahlamontada.com
 
المدينة بشكل عام
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
شقباوي :: الأقصى المبارك-
انتقل الى: