علاقة المسيح بالقدس في الرؤية الإسلامية
حين حملت مريم ـ عليها السلام ـ بابنها، ووضعته بالطريقة المعجزة (من غير أب) أتت به قومها، ولم يكن في استطاعتها حينئذٍ أن تحامي عن نفسها أمام قوم مشهورين بالبهتان والتطاول على الخلق، لذلك أمرها الله تعالى أن تصمت، وتكل إليه سبحانه أمرها…
وتقدمت العذراء الشريفة من مكانها القصي الذي وضعت فيه صغيرها نحو القدس التي ستشهد واحدًا من المواقف الجليلة في حياة الأخيار الأصفياء من البشر .. كانت الخطا المريمية واهنة، وفي نفس الوقت واثقة في أن الله لن يخذلها ... فلما وصلت إلى قومها، ووقعت في مرمى أبصارهم اندهشوا، بل ذُهلوا مما تحمل مريم بين يديها، ولعلهم ظنوا أنه ليس ولدها، لكن أعينهم بقيت تحدق ولا تنكر الشبه بين الوليد والفتاة العذراء الشريفة نفسًا وأمًّا وأصلاً وأرومة ..
وفي المواجهة قذف القوم في وجه مريم باتهاماتهم: (يا مريم لقد جئت شيئا فريًّا . يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوءٍ وما كانت أمك بغيا) وصمتت مريم في وجه الافتراء، والمؤمن يخجل من أن يفكر في إلقاء التهم وتوزيعها على الخلق وكأنه قاصد بيده تصريف الأمر ـ كما فعل القوم!
وكما وعد الله مريم، فقد نصرها بحجة بينة تقطع ببراءتها، وتضع نهاية واضحة لحقيقة الغلام … لقد تكلم عيسى في المهد، وهو محمول بين يدي أمه الشريفة العذراء، وقال: (إني عبد الله) وقال: (وبرًا بوالدتي)، أما الأب فلا أب، فقد جاء المولد بالأمر المباشر من الله تعالى.
هذا الحدث المفرد المميز شهدته أرض القدس وصخورها، وفهمت المدينة ما عجز عن فهمه قوم مريم الذين ناصبوا عيسى ـ عليه السلام ـ العداء حينما جاءهم بالبينات من ربهم.
وتؤكد الرؤية الإسلامية لعلاقة عيسى ـ عليه السلام ـ بالقدس على أنه بشر من سادات البشر وأصفيائهم، ممن ارتبطوا بالمدينة المباركة، كما أن محاولة القتل التي تعرض لها المسيح في القدس لم تنجح، ونجى الله منها عبده الصالح، ولحق الموت غيره ممن خان المسيح ووشى به.
ويعتقد كل مسلم أن ارتباط المسيح ـ عليه السلام ـ الوثيق بالقدس لا يصادم ارتباطها بالإسلام ونبيه الخاتم محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ لأن الأنبياء أبناء دين واحد، ولا تقطع بينهم التشويهات ولا التحريفات التي أدخلها الأقوام على رسالات أنبيائهم.
الجمعة 7 نوفمبر 2008 - 9:56
