عندما نذكر الضفة الغربية وبالأخصّ مدينة الظاهرية، فإنّه يتبادر للأذهان لأول وهلةٍ الوضعُ الأمني والسياسي أو مشتريات العائلة البدوية... لكن في هذا التقرير نطلعكم على علاقة ورابط من نوع آخر بين النقب والضفة الغربية – وهو كرة القدم!. من أجل هذا الغرض سافرنا في نهاية الأسبوع المنصرم إلى أريحا في الضفة الغربية، إلى لبّ الحدث، لنطلعكم على أبناء للنقب الذين يلعبون الكرة في الضفة الغربية، وهم ليسوا بأقل نجوميةً من نجوم الضفة الغربية.
هاني أبو بلال، خليل الصانع، سالم الأطرش، شكري العقبي، وإداري الفريق في ساعات الظهيرة من يوم الجمعة الماضية التقى عدد من أبناء النقب وهم: خليل الصانع من اللقيه، وسالم الأطرش وهاني أبو بلال من شقيب السلام، وماجد القصاصي من رهط وشكري العقبي من حورة. أسماء لا بد وأنّ قراء الرياضة قد سمعوا بها، وُجهتهم إلى الضفة الغربية وبالتحديد إلى مدينة أريحا. إن سألتم عن السبب فهو لأنهم ركيزةٌ أساسية في واحدٍ من أهم الفرق الفلسطينية – نادي شباب الظاهرية لكرة القدم.
الحواجز والمعابر العسكرية
حواجزٌ عسكرية عديدة في الطريق الفلسطينية منها والإسرائيلية تلاقيهم في طريقهم الطويل، كما يفعل هؤلاء في طريقهم كلّ أسبوع إلى تدريبات ومباريات فريقهم. مخاطر عديدة تواجههم في طريقهم نحو الملعب، وذاكرتهم ملأى بالقصص والذكريات الطريفة منها والشيقة في مغامراتهم الكروية. لكن بعد سفرٍ شاقٍّ وطويل يصل أبناء النقب إلى بغيتهم – استاد أريحا.
غزلان الجنوب يشارك أبناء النقب في فريق نادي شباب الظاهرية أو بكنيته 'غزلان الجنوب'. هذا الفريق الذي أُسس عام 1974 يعتبر من أكبر وأعرق الأندية الفلسطينية في الضفة، وله رابطة جماهيرية عريضة تلاحقه إلى المباريات كافة. الفريق الذي يلعب في الدرجة الممتازة (الأولى)، حاز على عدّة بطولات وإنجازات محلية كان آخرها بطولة درع الإتحاد الفلسطيني عام 2005.
شارك في الفريق على مدار سنوات عددٌ من اللاعبين القادمين من عرب الداخل، وربما يحظى هذا الفريق خاصة على متابعة واسعة حتى من عرب الداخل الذين يقومون بالسفر إلى المباريات ولا يكتفون بمتابعتها عبر شاشة التلفاز عبر شبكة ART التي تنقلها مباشرة.
توتو إيتو والحائط
أربعة لاعبين من النقب يضم فريق الظاهرية في صفوفه هذا الموسم، أقدمهم اللاعب خليل الصانع. صانع الألعاب الملقب بـ'الحجّ' يلعب ضمن هذا الفريق على مدار ثماني سنوات غير متواصلة، طبخ فيها كمّاً كبيراً من الأهداف. وخليل، الذي لعب في العديد من الفرق العربية في المنطقة، يقود خط وسط الظاهرية.
'الحج' خليل الصانع 'الحائط البشري' سالم الأطرشفي دفاع الفريق يلعب سالم الأطرش الذي يحظى بحب الجماهير له، ويتمثل ذلك بالتشجيع الكبير له. جمهور الفريق الذي يلقبه بـ'الحائط البشري' لا يوفر فرصةً لإظهار محبته له داخل وخارج الملعب. الأطرش ومن موقعه في مؤخرة التركيب سجل إلى الآن خمسة أهداف منذ بداية الموسم. وهو يلعب في موسمه الثاني ضمن 'غزلان الجنوب'، ولعب سابقاً في عدة فرق عربية في النقب أبرزها هبوعيل شقيب السلام.
مشجعو 'الحائط البشري' سالم الأطرشسالم الأطرش مع محطات التلفزة في خط الهجوم يلعب ماجد القصاصي، هذا اللاعب الذي سجل كمّاً وفيراً في فريقه السابق نادي شباب رهط. الجمهور الظهراوي عشق هذا اللاعب في أول موسم له في الضفة الغربية، وقد أطلق عليه لقب 'توتو القصاص' لتسجيله ثمانية أهدافٍ في تسع مباريات خاضها.
ماجد القصاصي هاني أبو بلال وخليل الصانعهاني أبو بلال لاعبٌ آخر انضم إلى الركب مؤخراً هو هاني أبو بلال الذي لعب في فريقي شقيب السلام. لاعب خط الوسط السريع لقي هو الآخر الحضن الدافئ عند جمهور الغزلان، الذي عرف شقيقه عاطف أبو بلال سابقاً. عاطف أبو بلال الذي يلعب حالياً في نادي نتيفوت، لعب إلى قبل عامين ضمن هذا الفريق ولقبه جمهوره بـ'إيتو الغزلان'.
أبناء النقب ليسوا على أرض الملعب فقط، فعلى إدارة الفريق مهنياً يشرف شكري العقبي مدرب الفريق، الذي يقوم بالتدريب منذ عام 1998 ولكن على فترات متقطعة. بدأ مشواره هذا الموسم منذ ست مباريات ويأمل بقيادة الفريق إلى القمة وإسعاد جمهور الفريق.
مدرب الفريق شكري العقبي يُذكر أن جميع اللاعبين والمدرب يحصلون على راتب شهري من قبل النادي، لتغطية مصاريف سفرهم المتكرر والطويل، إضافةً إلى أتعابهم الإضافية، الأمر الذي قلّ ما نجده في فرقنا العربية في النقب..
السعادة في البساطة
طوال طريقنا إلى إحدى مبارياتهم، أمام شباب البيرة-رام الله ضمن الأسبوع الـ 13، حاولتُ الاستفسار عن سبب مغامرة هؤلاء الشباب للذهاب إلى الضفة الغربية لممارسة كرة القدم. كان جوابهم على هذا السؤال هو 'عندما نصل ستفهم كل شيء'..
فور وصول اللاعبين إلى الملعب ودخولهم إلى المستطيل الأخضر اعتلت أصوات الآلاف من المدرجات بالأناشيد والهتافات. إسعادُ أبناء النقب لهؤلاء الجماهير كان هو الجواب الواضح على كل الاستفسارات التي قد تنتاب من يتساءل عن سبب اللعب في هذه البقعة من الأرض.
المباراة التي شاهدناها انتهت بفوز نادي شباب الظاهرية بأربعة أهداف نظيفة على نادي البيرة. وقد سجل أهداف 'غزلان الجنوب' كلٌّ من إسماعيل العمور لاعب منتخب فلسطين، ويوسف عيسى، وسالم الأطرش، وجاء الرابع من هدف ذاتي.
الاحتفالات وحنكة النجومية
بعد انتهاء وإعلان الفوز يسافر اللاعبون كعادتهم إلى الظاهرية، وإن تساءلتم عن السبب فهو الاحتفالات بالفوز.. ليس الفوز بالبطولة ولا الدرع، إنما مجرد فوز آخر في الدوري! المئات من مناصري الفريق يلتفون حول مبنى النادي ويرقصون ويفرحون إلى الساعات المتأخرة من الليل. أما أصداء نجومية لاعبي النقب فهي تصدع في جميع أنحاء الضفة، فطول سفرنا إلى الاستاد وجدنا لهفة مؤيديهم لملاقاتهم. يصعب على من ينظر إلى هؤلاء الشباب أن يفهم ويستوعب ما يفعلونه. إلا أنه لا شك بعد هذه الزيارة لنوع آخر من المهنية الرياضية، بأن كثيراً من المعتقدات نحو هذه التجربة قد تغيرت.
نظرة على الدوري الفلسطيني لكرة القدم
تحتل كرة القدم حيزاً رئيساً في حياة الشارع الفلسطيني في الضفة والقطاع، فضائقة المعيشة والوضع الأمني لا يبقيان للمواطن الكثير من فرص الترويح عن النفس. جماهير الكرة المستديرة غفيرة في غالبية المناطق والمدن. ورغم انعدام المهنية وصعوبة الظروف إلا أن اللاعبين على المستطيل الأخضر يشكلون سبباً ذا شأن لبهجة أو لحزن الجماهير الكبيرة.
الفرق المنظَّمة ليست بالكثيرة نسبياً، نظراً للمسببات القائمة. رغم ذلك يجري دوري منظَّم نوعاً ما عن طريق إتحاد كرة القدم الفلسطيني، والذي يرئسه جبريل الرجوب. وبسبب الوضع الأمني فإنه يقام دوري في غزة مكون من 14 فريقاً وآخر في الضفة الغربية مكون من 22 فريقاً من مناطق الضفة كافة. دوري الضفة الغربية والمسمى بالدرجة الممتازة يُجرى على مدار 21 أسبوعاً، تجرى فيه المباريات على ملعب محايد للفرق المشاركة.
يذكر أنه بالإضافة للدوري المنتظم هناك عشرات بل مئات الفرق التي تلعب في دوريات مناطقية أو غير ذلك.
أسباب عدة، منها التنظيمية والأمنية والمادية حالت مرات عديدة لانقطاع الموسم الكروي لعدة سنوات. وفي هذا الموسم تجدد الدوري منذ عام 2005، والذي تصدر فيه فريق 'الثقافة – طولكرم' الدوري الذي لم يُستكمَل.
المباريات المقامة نهاية الأسبوع يحضرها آلاف الجماهير، وتباع التذاكر بأسعار رمزية. ويحوز الدوري الفلسطيني على اهتمامٍ إعلامي واسع على المستوى المحلي والعربي أجمع. الصحف المحلية والمواقع الإلكترونية هي فقط جزء من وسائل الإعلام إضافة للبث المباشر على شاشة التلفاز من خلال قنوات ART الرياضية التي تنقلها إلى أرجاء الوطن
العربي.