نقلا عن موقع أخبار النقب
رحلة في الذاكرة مع الشيخ يوسف الحروب من شقيب السلام
إعداد أحمد محمد خليل
نسافر وإياكم في هذه الرحلة عبر الذاكرة مع ضيف من ضيوفنا الكرام من كبار السن في الجنوب، ولقاؤنا هذه المرة مع الشيخ يوسف سلامة الحروب، من سكان قرية شقيب السلام.
تركنا لضيفنا الكريم أن يعرفنا عن نفسه وأن يحدثنا عن أيام زمان في هذا اللقاء:
أنا الشيخ يوسف سلامة حرب الحروب، من سكان قرية شقيب السلام، ولدتُ في العام 1937م في منطقة قريبة من مدينة (رحوفوت).
درستُ المرحلة الابتدائية في مدرسة كانت عبارة عن بيت متواضع جداً من الصفيح في قرية زرنوقة وهي بلدة عربية تقع في الجهة الغربية من مدينة (رحوفوت) وقد تم تهجير أهلها فيما بعد، ومن القرى العربية التي كانت قريبة من المنطقة في تلك الأيام قرية قبيا ويبنا اللتين أصبحتا فيما بعد (كبابة ويفني). ومن قرى تلك المنطقة أيضاً قرية عاقر (عكير) وقطرة (جديرا) والمغار التي أصبحت فيما بعد معسكراً للجيش.
في سنة 1948م هربنا من المنطقة التي كنا نسكن فيها خوفاً من المجازر والقتل إلى منطقة قريبة من مدينة بئر السبع وهي منطقة كان يطلق عليها اسم 'أبو شَعَر' في الجهة الجنوبية من مدينة بئر السبع. مما أذكره جيداً من وسائل الترهيب لأهالي المنطقة أن الجيش كان يستخدم طائرةً محمّلةً بالبراميل الفارغة كبيرة الحجم وكانت تلقي هذه البراميل من علوِ شاهق وذلك في ساعات الليل المتأخرة، مما يحدث ضجيجاً وصوتاً هائلاً، فيسبب ذلك الهلع والخوف في قلوب السكان وخصوصاً النساء وصغار السن، وكان ذلك يتكرر كثيراً مما دفع أهالي المنطقة إلى الهروب من مناطق سكناهم وبيوتهم التي كانت بيوتاً متواضعة جداً.
هروب الناس ونزوحهم كان باتجاهين: الأول نحو الحدود الأردنية والثاني باتجاه الحدود المصرية. نجح الكثير من الأهالي في عبور الحدود نحو الدولتين و'قسم لم يسعفه الحظ في ذلك'، وكنا نحن من الذين لم ينجحوا في عبور الحدود المصرية. السكان الذين نزحوا من تلك المنطقة كانوا من سكان بئر السبع نفسها والعديد من سكان المناطق المحاذية لها والقريبة منها.
من الناس والعائلات التي كانت تعيش في تلك المنطقة هم من قبيلة العزازمة، الترابين، الجراوين، السراحين، الحروب، وغيرهم. وصلنا خلال نزوحنا إلى منطقة العوجا على الحدود المصرية والتي تبعد عن مدينة بئر السبع نحو 110 كم، وأذكر أنه جرى تبادل لإطلاق النار بين القوات المصرية والقوات الإسرائيلية. مكثنا هناك نحو سنتين وكانت مرحلة صعبة جداً من حياتنا، حاولنا العودة إلى المنطقة التي خرجنا منها ولكننا وصلنا إلى منطقة تابعة لنفوذ الشيخ سليمان الصانع (الترابين).
بعد وصولنا إلى هذه المنطقة قام الشيخ سليمان الصانع بإجراء إحصاء سكاني لنا وكان ذلك في منطقة قريبة من (أوفقيم) وأذكر أن الموظف الذي أجرى هذا الإحصاء اسمه (فريح – ساسون بارتسفي) وقد عرض على والدي سلامة الحروب أن يكون شيخ المنطقة لكنّ والدي رفض ذلك، ثم وقع الاختيار على الشيخ سلمان أبو بلال. في هذه المنطقة مكثنا ما يقرب من سبع سنوات ثم انتقل كل أهالي المنطقة إلى منطقة قريبة من قرية عرعرة النقب وهي المنطقة المعروفة بِـ (المْشَاشْ) وكنتُ قد بلغت آنذاك سن الثامنة عشر من عمري وكنت أرعى الغنم وأهتم بسياسة الخيل ومنها اكتسبت خبرة كبيرة عن الخيل العربية الأصيلة.
الخيل الأصيلة لها علامات تستطيع أن تفرّقها بها عن غيرها من الخيل، ومن هذه العلامات الغرة، الرقبة، الصدر، الظهر. ومن مميزات الخيل العربية الأصيلة أنها تشعُر بفارسها إذا كان جُنباً وفي هذه الحالة ترفض أن يعلو على ظهرها!.
ومن أنواع الخيل الأصيلة أذكر لك: الفرس المِخْلَدِيّة وهي الفرس التي يقال أنها كانت فرس الأنبياء، ثم الفرس العبية ويطلق عليها هذا الاسم لصغر حجمها بحيث يمكن تغطيتها بالعباءة، ثم الفرس الصويطية وهي الفرس التي تُصدر حركات رقص بعد سماعها صوت الموسيقى، ثم الفرس الكبيشة.
بعد أن عشنا في تلك المنطقة ما يقرب من سبع سنوات انتقلنا إلى قرية شقيب السلام. في قرية شقيب السلام كنت أول من انتسب إلى الحزب الديموقراطي العربي الذي أسسه السيد عبد الوهاب دراوشة من قرية إكسال في الشمال، وبحكم وصولي إلى إكسال عدة مرات تعرفت إلى كثيرٍ من القرى والمدن هناك، مثل الناصرة عكا وغيرها، ولا زلت إلى اليوم عضواً منتسباً للحزب الديموقراطي العربي.
أتمنى كل الخير والسعادة للجميع وأن يكتب الله لنا الفلاح في الدنيا والآخرة وأشكرك جزيل الشكر على ما فتحت لنا من مجال للحديث عن ذكريات جميلة ممتعة.
عنوان المقال :